الثلاثاء - 05 أغسطس 2025 - الساعة 11:41 م
الحرب الإقتصادية.. أسبابها وتداعياتها
مقدمة ..
يعلم الكثير بأن الانهيار الاقتصادي الحاصل والأضرار في الأمن الغذائي هو احد أدوات الحرب المستخدمة في صراع الأطراف الدولية والمحلية للسيطرة على حكم البلد، وربما يحسم الانتصار عبرها بعيدا عن الحل السياسي و العسكري، لهذا لجأت المليشيات الحوثية الى تهديد الحكومة الشرعية بشكل صريح ومتحدي، وبتقاعس أممي واضح لتعطيل عمل الحكومة الشرعية وإثبات فشلها من خلال فرض الحصار الجائر على تصدير النفط، وفصل العملة المحلية، و سحب العملة الاجنبية بشكل يومي من المناطق المحررة عبر تصدير المواد إليها كالخضروات والقات وغيرها من المواد الضرورية المستهلكة بشكل يومي، وكذا الاستحواذ على قطاع الاتصالات الذي يدر عليهم مئات المليارات و مصارفتها في مناطق الشرعية، والمضاربة بالعملة الصعبة لتحقيق مزيدا من الانهيار والتضخم، بالوقت الذي تغرق فيه الحكومة الشرعية وبعض مسؤوليها في الفساد المدعق مما اصاب المرافق الحيوية بالشلل التام وعجزها عن تقديم الخدمات الأساسية وغياب الرؤية والتنسيق بينهم، منشغلين في الصراعات السياسية والخلافات الحزبية فيما بينهم لاستحواذ كل طرف منهم على اكبر عدد من المناصب الوهمية لتحقيق المصالح الشخصية، والاكتفاء بدورهم على مناشدات دول الجوار للحصول على مزيدا من الدعم المادي، بدلا من التصدي لهذه الحرب الاقتصادية وتأمين حياة المواطنين وفرض معالجات اقتصادية عاجلة كالتصدي العسكري الذي كسرت فيه أجنحة إيران بإمكانيات بسيطة آنذاك.
ولهذه الاسباب نشاهد اليوم الانهيار المتواصل للعملة المحلية وتضخم أسعار السلع، وعجز الحكومة عن تقديم مرتبات الموظفين وإن صرفتها أصبحت بلا قيمة في ظل التضخم النقدي.
الفصل الاول ..
* اسباب انهيار العملة المحلية ..
لاشك بأن الانهيار الحاصل للعملة المحلية في المناطق المحررة سببه الرئيسي هو الحوثيين و لأغراض سياسية عديدة و أغلبنا يعرفها، وهم من يقف خلف الصرافين والبنوك المضاربين وما مشاركة و مضاربة بقية البنوك و الصرافين الغير تابعين لهم ماهو الا خوفا على أموالهم من الانهيار والحفاظ على أنفسهم وتحقيق المكاسب بالوقت ذاته، ولو كان على حساب الوطن والمواطن في ظل عجز تام للحكومة وغياب رؤيتها الاقتصادية.
لهذا منذ فترة نشاهد انهيار للعملة المحلية بشكل متسارع ومخيف و الحكومة متفرجة والجهات المختصة عاجزة عن ايقاف الانهيار والمضاربة، بل إن الاسوء من ذلك أن البنك المركزي كان يتفاعل مع أسعار المضاربين السائدة في السوق ويبيع المزاد بسعر المضاربين بحجة توفير السيولة النقدية للحكومة مما يشرعن عملية المضاربة بأسعار مرتفعة وهمية و بشكل تصاعدي في كل مزاد، بدلا من تحديد سعر المزاد (مزاد بيع العملة الصعبة ) بسعر أقل عن السوق وفرضه على الصرافين، ليستطيع ضبط أسعار الصرف والتحكم بالصرف بشكل تنازلي و تدريجي في كل عملية بيع للمزاد وبشكل مستمر حتى الوصول إلى السعر العادل والمناسب للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية و ذلك من خلال توفير العملة الصعبة عبر بيع المزادات لكبار المستوردين بشكل منتظم حسب احتياج السوق.
الفصل الثاني ..
- اسباب هرولة اسعار العملات الأجنبية ..
هو السبب ذاته البنوك و الصرافين التابعين للحوثيين والتي تتحكم بالسوق من خلال ( المضاربة ) ولكن هذه المرة كانت المضاربة بشكل (عكسي) وهدفهم الهرولة باسعار الصرف بشكل متسارع وبوقت قصير جدا لتحقيق فجوة كبيرة في السوق وتهييج المواطنين، وضرب ما تبقى من الاقتصاد لغرض سياسي من خلال افشال البنك المركزي عدن بالمرة، و تكبد كبار الصرافين التابعين لبنك عدن خسائر فادحة بسبب النزول المفاجئ وتعرض كبار التجار للإفلاس، وتوجيههم للضغط على البنك المركزي بتوفير العملة الصعبة وإجباره على إنزال ما تبقى من مزادات للعملة الصعبة بسعر أقل من نصف سعر المزاد الاخير، وذلك لغرض امتصاصها والعودة إلى المضاربة بسعر أعلى عما كان عليه، ويتم ذلك من خلال النقد المأهول الذي تمتلكه تلك المليشيات عبر الادوات التابعة والمساعدة لها سوى كانو مسؤولين محسوبين على الشرعية أو كيانات مالية أو تجار مستوردين.
الفصل الثالث ..
- اجراءات البنك المركزي عدن ..
لاشك بأن فكرة المضاربة العكسية هي سلاح ذو حدين بالنسبة للجهات المضاربة بأسعار الصرف، وحين أدرك البنك المركزي الخطر قلب الطاولة عليهم وكشر أنيابه واتخذ إجراءات قانونية تكاد تكون آخر ورقة يملكها البنك المركزي عدن لمحاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد، وقد ربما ينتصر وتختفي المضاربة تماما في حالة استمر البنك المركزي عدن في فرض إجراءاته الحالية وتم دعمه وتعزيزه ماليا وتسخير كافة الإمكانيات التي تجعله يصمد في هذه المعركة الاقتصادية الشرسة.
وينتصر البنك المركزي عدن في حالة اتخذ هذه الاجراءات:
1- ربط البنوك والصرافين عبر شبكة إلكترونية موحدة تسهل عملية الرقابة والمقاصة بينهم.
2- توقيف عملية المصارفة تماما بشكل مؤقتا والعودة تحت سقف محدد.
3- فرض تسعيرة إلزامية عبر نشرة رسمية يومية من البنك المركزي.
4- ضبط عملية التحويلات الخارجية عبر الأطر الرسمية فقط و بسقف محدد ولسبب مبرر.
5- ايقاف البنوك و الصرافات المخالفة والمضاربة والمحتكرين وكذا المنشآت المالية التابعة للمليشيات في نشاطها أو مراكزها الرئيسية خارج العاصمة عدن.
6- توفير عملة أجنبية لكبار المستوردين للمواد الأساسية والضرورية وتغطية أرصدة البنوك لدى البنوك الخارجية.
7- إعادة رسم السياسة النقدية في البلاد والعمل على إعادة الثقة مع كبار البنوك ودعمهم وتشجيعهم بالتعامل المصرفي الإلكتروني والبطاقة البنكية لتخفيف الضغط على السيولة النقدية.
8- الضغط على الحكومة ومؤسساتها بتوريد كافة مواردها بالعملة المحلية والأجنبية إلى حساباتهم في البنك المركزي.
الفصل الرابع..
* الهدية الربانية للحكومة ..
ما حصل من مضاربة عكسية من الصرافين المضاربين اهدأ الحكومة انتصارا اقتصاديا بالمجان، وعليها انتهاز الفرصة لتثبيت مداميك الاقتصاد ودعم اجراءات البنك المركزي عدن والتحرك لتفعيل دوره دوليا ومحليا بشكل جاد ومكثف، والعمل على تحسين الخدمات و استمرار حملات خفض الاسعار وكسر احتكار السلع من كبار التجار لتحسين الوضع المعيشي وإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني والذي يتم من خلال تفعيل مؤسسات الدولة الخدمية والإيرادية والرقابية عبر اتباع الخطوات التالية :
1- تفعيل دور الوزارات والمؤسسات الحكومية وتوحيد الرؤية والهدف لتعزيز السياسات العامة والعمل على تحسين الخدمات لتحقيق التنمية.
2- تعزيز استقلالية البنك المركزي وتقوية أدواته ودعمه لفرض السياسة النقدية.
3- تفعيل المؤسسات الإيرادية الحكومية وتحديث قوانينها وفق التحديات الراهنة.
4- إلزام كافة الجهات الإيرادية بتوريد كافة مواردها إلى البنك المركزي وإغلاق جميع الحسابات الحكومية في البنوك الخاصة.
5- تمكين الكفاءات الوطنية بعيدا عن المحاصصة السياسية والحزبية.
6- التحول الرقمي لبناء قاعدة بيانات موحدة و تسريع جميع الاجراءات الحكومية والمتابعة وتجفيف منابع الفساد.
7- دعم وتشجيع المشاريع الاستثمارية الوطنية الاستراتيجية.
8- تفعيل عمل الأجهزة الرقابية والقضائية.
9- بناء مؤسسة أمنية وطنية موحدة.
10- تعزيز الشراكة المجتمعية في صنع القرار والتنفيذ والعدالة في توزيع الموارد والخدمات.
انتهى.
وضاح الشرفي..