اخبار وتقارير

الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 04:40 م بتوقيت اليمن ،،،

صحيفة ١٧ يوليو الإخبارية/ تحليل وقراءة : عبدالرحمن جناح

لا يمكن قراءة بيان فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي باعتباره مجرد خطاب ظرفي أو رد فعل على تصعيد محدود؛ فهو إعلان سياسي سيادي يعلن نهاية مرحلة إدارة التناقضات داخل معسكر الشرعية، وبداية مرحلة جديدة يحدد عنوانها بوضوح: الدولة أولًا، السيادة قبل الشراكة، والقانون فوق السلاح.
ويأتي هذا التحول في سياق الدور البنيوي للمملكة العربية السعودية، التي شكلت عبر قيادة تحالف دعم الشرعية الضامن الإقليمي لاستمرارية الدولة اليمنية ومركزها القانوني، وموّجهًا استراتيجيًا لإدارة التوترات الداخلية ومنع الانزلاق إلى صراعات تفكيكية، بما يحفظ مصالح اليمن والمملكة على حد سواء. فالبيان يمثل تلاقي إرادة الدولة اليمنية مع الرؤية السعودية في حماية مؤسسات الشرعية والحفاظ على وحدة القرار.
كما يشكل البيان وثيقة تأسيسية لإعادة تعريف العلاقة بين الشرعية اليمنية، والمكونات المسلحة المنضوية اسميًا تحتها، والأطراف الإقليمية، التي تجاوزت – بحسب البيان – منطق الدعم إلى منطق الوصاية والتوجيه.
أولًا: لحظة الانفصال عن سياسة الاحتواء
خلال السنوات الماضية، اعتمدت الشرعية سياسة احتواء مرنة تجاه اختلالات الشراكة، انطلاقًا من ضرورة الحفاظ على وحدة الصف في مواجهة مليشيا الحوثي، وتأجيل حسم الخلافات البنيوية.
غير أن البيان يعلن صراحةً بالتالي:
-الصبر الاستراتيجي قد استُنفد.
- التنازلات لم تُقابل بالالتزام.
-الاحتواء أصبح عبئًا يهدد بقاء الدولة نفسها.
وبالتالي، فإن الانتقال من الاحتواء إلى الضبط السيادي لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية.
- حالة الطوارئ لمدة 90 يومًا، وتوجيه القوات الإماراتية بالخروج وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن، يترجم هذه المبادئ إلى أفعال تنفيذية صارمة.

ثانيًا: إعادة تأسيس مفهوم السيادة
يضع البيان مسألة وحدة القرار العسكري والأمني في قلب المعادلة الوطنية، باعتبارها:
خط الدفاع الأخير عن فكرة الدولة.
الشرط المسبق لأي شراكة سياسية حقيقية.
وتوصيف تحركات المجلس الانتقالي بأنها تمرد صريح يحمل دلالتين:
نزع أي غطاء سياسي أو تفاوضي عن الفعل المسلح خارج الدولة.
نقل الصراع من خانة الخلاف السياسي إلى خانة المساءلة الدستورية والقانونية.
بهذا المعنى، لا يلوّح البيان باستخدام القوة، بل يؤسس قانونيًا لشرعية استخدامها إذا فُرضت على الدولة.
حيث أن حركات المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة تم توصيفها تمردًا صريحًا، وهو ما يستدعي تحويل المساءلة إلى إطار دستوري وقانوني.

ثالثًا: تفكيك البنية الأيديولوجية للتمرد
يتسم تعامل البيان مع القضية الجنوبية بالنضج والدقة، فهو:
يعترف بعدالتها التاريخية دون شروط.
يفصلها بوضوح عن مشاريع الاحتكار والتمثيل القسري.
الرسالة واضحة: القضية الجنوبية ملك لأهلها جميعًا، مع ضمان الدولة لحقوقهم، ولا يمكن لأي فصيل أو طرف خارجي احتكارها. وبذلك، يُجرّد البيان التمرد من أهم أدواته الدعائية ويعيد القضية إلى فضائها الوطني الجامع.

رابعًا: الشراكة بوصفها التزامًا لا امتيازًا
يعيد البيان تعريف الشراكة ليس كتوزيع للقوة، بل كالتزام بالقانون والمسؤولية الجماعية، مؤكدًا أن الشراكة لا تعني:
تعطيل مجلس القيادة.
الامتناع عن حضور مؤسساته.
فرض الوقائع بالقوة.
بل تعني الخضوع للقرار الجماعي أو تحمّل تبعات الخروج عليه.ويعكس الالتزام الرسمي للقوات بالانسحاب وتسليم المعسكرات والتنسيق مع قيادة التحالف بقيادة السعودية عمليًا معنى الشراكة كالتزام بالقانون والمسؤولية الجماعية.
وتجسّد هذه الإجراءات العملية معنى الشراكة كالتزام بالقانون والمسؤولية الجماعية، وليس كامتياز أو قوة مفروضة.

خامسًا: كسر المحظور في العلاقة مع الإمارات
يمثل توجيه الاتهام المباشر لدولة الإمارات نقطة تحوّل نادرة في خطاب الشرعية، إذ ينتقل من الدبلوماسية الرمادية إلى المساءلة العلنية المستندة إلى وقائع موثقة.
الأهم أن البيان:
لا يهاجم التحالف كإطار.
لا يخلط بين الأدوار،
بل يعيد ضبط العلاقة داخله على أساس احترام سيادة الدولة اليمنية.
في المقابل، يكرّس البيان المملكة العربية السعودية بوصفها الضامن الإقليمي لوحدة الشرعية، والوسيط المسؤول عن خفض التصعيد، والشريك الذي يضمن استقرار اليمن وحماية مصالح التحالف، ما يعكس إدارة دقيقة ومتوازنة للسيادة الوطنية والتدخل الإقليمي.
سادساً:حماية المدنيين وسيادة القانون
إعلان حالة الطوارئ وحظر المنافذ لمدة 72 ساعة يندرج ضمن إطار حماية المدنيين، ومنع استخدام القوة لتحقيق مكاسب سياسية، مع استمرار مكافحة الإرهاب وفق القانون والدستور.
سابعاً: من الخطاب إلى القرار
يكسب البيان قوته الحقيقية من ختامه، إذ يعلن بوضوح أن القرارات قد اتخذت وسيُعلن عنها تباعًا، ما ينقل البيان من حقل التحليل إلى حقل الفعل السياسي التنفيذي، ويؤكد أن الدولة لم تعد في موقع الدفاع الخطابي، بل في موقع المبادرة.
خلاصة استراتيجية
إن بيان فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي ليس مجرد لحظة غضب سياسي، بل:
إعلان نهاية الوصاية غير المعلنة.
استعادة مفهوم الدولة كمرجعية نهائية.
رسم خط أحمر واضح: دماء اليمنيين وسيادة مؤسساتهم.
إنه بيان يؤسس لمرحلة مفصلية: إما شراكة منضبطة داخل الدولة، أو صدام قانوني مع من يصرّ على تقويضها. وفي كلا الحالتين، تكون الشرعية قد استعادت وضوح البوصلة وصلابة القرار وهيبة الدولة، مع إبقاء المملكة العربية السعودية الضامن الإقليمي لمصلحة الشعب اليمني واستقرار المنطقة.