أراء ومقالات

الأربعاء - 23 يوليو 2025 - الساعة 01:04 ص بتوقيت اليمن ،،،

صحيفة 17يوليو/ كتب/محمد يحيى الفقيه

من المؤسف أن يتحوّل الحديث عن ملفات شائكة كتجربة السجون والانتهاكات إلى أداة انتقائية لتصفية الحسابات أو لإدانة أشخاص بعينهم دون أدلة موثقة بل اعتمادًا على “روايات” منقولة لا يمكن التحقق من صدقيتها أو نسبتها

و في منشوره الأخير انبرى علي البخيتي للهجوم على عمار محمد عبدالله صالح مستخدمًا أوصافًا جارحة وتهمًا خطيرة تتعلق بانتهاكات إنسانية ثم نسب ذلك إلى “روايات سجناء” مرّوا بتجارب شخصية رُويت له في سجون الأمن القومي دون أن يذكر أسماءهم أو يوفر أي توثيق محايد أو حتى أن يوضح موقفه الشخصي من تلك الفترة إن كان قد عايشها أو شهد عليها مباشرة

والمفارقة هنا أن البخيتي نفسه في أكثر من مناسبة ولقاء وفي منشوره الجديد أكد بأنه لم يُسجن يومًا في جهاز الأمن القومي ولا تعرّض لأي من صنوف التعذيب التي تحدث عنها بل ذكر أنه اعتُقل لفترة وجيزة في سجن تابع للأمن السياسي، وأنه بحسب روايته لقي معاملة لائقة وكان السجن نظيفًا ولم يتعرض هو شخصيًا لأي انتهاك يُذكر

فإذا لم يكن البخيتي ضحية مباشرة ولم يُحقق معه في الأمن القومي ولم يلتقِ بعمار صالح في أي سياق او حتى مناسبة فبأي منطق يُطلق هذه الاتهامات ويحملها لرجل بعينه بل يطالب بإقصائه ثم يجعل من تلك “الروايات المنقولة” مسوغًا للحكم القطعي على شخصه وسلوكه؟ أليس هذا تجاوزًا خطيرًا لأبسط معايير العدالة والمنطق والإنصاف؟

لا ننكر أن كل جهاز أمني في اليمن في فترات مختلفة قد شابَه أخطاء وتجاوزات وهي مسؤولية دولة كاملة لا يمكن اختزالها في شخص أو اثنين ولكن أن يُحصر كل السوء في اسم بعينه ويتم تحميله إرثًا كاملًا من الإخفاقات والتجاوزات دون أي توثيق قانوني أو حكم قضائي أو شهادة معتمدة فهذا لا يخدم الحقيقة ولا العدالة بل يدخل في إطار التوظيف السياسي والمعنوي لمآسٍ لم يُثبت وقوعها من الأساس
ولكي يكون الحديث عن الانتهاكات نزيهًا وشاملًا فلننظر إلى الواقع القائم اليوم في مناطق سيطرة الحوثيين حيث تحوّلت السجون إلى مقابر بطيئة ويخرج المعتقلون منها أشباه بشر ولا يلبث كثير منهم أن يفارقوا الحياة بعد أيام من إطلاقهم نتيجة التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج شهادات الضحايا وتقارير المنظمات الدولية تؤكد أن ما يحدث هناك يفوق كل وصف ويجري دون أي مساءلة بل في ظل صمت مخزٍ من قبل من يزعمون الدفاع عن حقوق الإنسان
لم نعد نتحدث عن تعذيب لإجبار على اعتراف بل عن تعذيب بهدف الانتقام والتنكيل ومقابر جماعية خلف الجدران

فهل سنظل ننبش في ملفات قديمة دون دليل ونتغاضى عمّا يحدث أمام أعيننا من جرائم يومية تمارسها هذه المليشيا بحق اليمنيين؟
العدالة لا تكون بانتقائية ولا نكافح التعذيب بالسكوت عنه عندما يكون القاتل حوثيًا
نحن مع كشف الحقيقة ومع المحاسبة العادلة متى توفرت الأدلة ولكننا نرفض خطاب الكراهية والشيطنة ونرفض استخدام معاناة السجناء الحقيقية أو المزعومة كوقود لهجوم سياسي أو كوسيلة لتحريض الرأي العام ضد أشخاص بعينهم دون دليل

العدالة لا تُبنى على “نُقل عن فلان” ولا على “روايات متشابهة” بل تُبنى على وقائع ومحاضر وشهادات موثقة ومحاكم عادلة وعندما تُفتح ملفات الأجهزة الأمنية يجب أن تُفتح بشفافية وعلى الجميع لا على من نختلف معهم فقط

وإذا كانت هناك شهادات حقيقية وموثقة من ضحايا فليتفضل بها أصحابها إلى القضاء أو إلى منظمات حقوقية معروفة ونزيهة وغير حزبية بدل أن تظل أدوات في يد ناشط سياسي يختار توقيت الهجوم ونوعية الهدف بناءً على اعتبارات لا علاقة لها بالحقيقة ولا بالعدالة

@إشارة