اخبار وتقارير

الجمعة - 28 يناير 2022 - الساعة 10:39 م بتوقيت اليمن ،،،

صحيفة ١٧ يوليو / خاص

بعد انتهاء مؤتمر منتدى شباب العالم التقيت بوزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك الذي شارك في المؤتمر بالنيابة عن الرئيس عبدربه منصور هادي، قبيل توجهه إلى الرياض، فرحب بي وبدأت بالأسئلة فكانت إجاباته حفاوة لا تقل عن حرارة الاستقبال، إذ يبرز اسم ابن مبارك بشكل واسع في الآونة الأخيرة كوجه الدبلوماسي أمام المستجدات السياسية والعسكرية على المشهد اليمني، وهو ما كان في مقدم أسئلتنا له.
وتطرقنا أيضاً للمشهد العام ثم ناقشنا كواليسه وما يعتمل خلف المشهد الحاضر وأحداثه الملتهبة ولاعبيه البارزين. 
بدا الوزير متفائلاً بواقع أفضل لـ "القضية اليمنية" على الصعيدين السياسي والعسكري، مع بوادر واعدة عن "تقارب كبير بين مختلف القوى السياسية الوطنية نحو مشروع استعادة الدولة في مناهضة الانقلاب الحوثي"، كما قال الوزير.


*السلم حاضر كالحرب* 

كانت أجندة الحوار متشعبة تحاول أن تحصي روزنامة حقيبته الدبلوماسية التي يجول بها عواصم العالم ممثلاً لشرعية تواجه كثيراً من التحديات التاريخية غير المسبوقة حتى من داخلها، فضلاً عن اللوم الشعبي، ولكننا سعينا إلى أن نبدأ مستأنسين بحديث الساعة في ضوء القراءة العامة إزاء التطورات العسكرية والتقدم الميداني للشرعية على حساب ميليشيات الحوثي في كل

من مأرب وشبوة (شرق البلاد)، وما يتردد عن اتجاه الشرعية والتحالف الداعم لها نحو "الحسم العسكري" حتى الوصول إلى "حرية اليمن السعيد"، بعد استنفاد الحلول الدبلوماسية التي يقابلها الحوثي بتصعيد عسكري متنام لا يتوقف. 
ولكن الوزير اليمني قال إن "المسار السياسي حاضر في خطابنا ونهجنا، ونؤكد على الدوام أن معالجة سياسية للأزمة تختصر كثيراً من القضايا، وفي النهاية لا بد لجميع الأطراف من الجلوس على طاولة الحوار لحقن دماء وتقليل كلفة القضية".


يستدرك بالإشكال الذي يرى أنه يتمثل في الحوثيين لأنهم "منذ اليوم الأول وهم أصحاب الخيار العسكري وإشعال هذه الفتنة، ورفض دعوات السلام وصوت العقل منذ انقلابهم 2014".

*الهرب إلى القتال*

يتطرق ابن مبارك إلى سلسلة المشاورات التي عقدت مع الحوثيين برعاية أممية، وآخرها ما شهدته الأروقة السياسية أخيراً، "منذ فبراير العام الماضي ونحن نتحدث عن مبادرات سلمية لإنهاء الحرب فيما الحوثيون يشنون حرباً شعواء إجرامية على مأرب، ويراهنون على اجتياحها بناء على قناعة أن إسقاطها سيقود إلى حسم الأمور بالنسبة إليهم، وبالتالي فإن أي تسوية سياسية ستكون في مصلحته، ولهذا كانوا خلال جولات الحوار الست (جولات مفاوضات السلام منذ بداية الحرب عام 2015) كلما اقتربنا من بوادر الحل السياسي يختلقون أعذاراً ويهربون"


*عقيدة لا تقبل الغير*


في هذا الإطار، يخلص إلى أن "الحوثيين ليسوا جاهزين للسلام مطلقاً، واستراتيجياً هم لا يريدون تحقيق السلام، ولهذا يدرك اليمنيون وكل العارفين بطبيعة العقيدة الحوثية أنها عقيدة لا يمكن بأي حال أن تتعايش مع الآخر أو تقبل به، لذلك نحن منذ اليوم الأول لهذه الحرب أكدنا أن هدفنا هو الدفاع عن الدولة، وهذا حق دستوري والناس تدافع عن مدنها وأرضها وثوابتها"

.
وقبالة الرفض الحوثي للسلام "سيدافع اليمنيون عن مدنهم، ففي مأرب من يقاتل هم أبناء مأرب والهاربين من بطش الحوثي من كل المحافظات، وكذلك الحال بشبوة التي كانت مستقرة ونموذج جيد للأمن وحققت كثيراً من الإنجازات حتى هاجمها الحوثي وسيطر على مديريات بيحان وعسيلان وعين، ومنها إلى حريب والجوبة، فواجهه الناس وقوات العمالقة واستعادوا مدنهم، وأي مدينة يدخلها الحوثي سيستعيدها أبناؤها".

 
*اليمن السعيد... تعاف كبير*


بشيء من الانتشاء الملحوظ، يتطرق المسؤول اليمني لإعلان التحالف العربي عملية "حرية اليمن السعيد" التي يعتبرها "مؤشراً إلى تعاف كبير في المشهد السياسي والعسكري، ونلحظ من خلاله أن هناك كثيراً من التطورات الإيجابية التي جرت"
.
*ثمار اتفاق الرياض*

وفي خضم استرساله عن وصف التغيرات الميدانية التي أشاد بها المسؤول اليمني، يرى أن المشهد لا يقرأ من لحظته العسكرية الأخيرة، ولكن "يجب أن نقرأ المشهد الإيجابي منذ تشكيل حكومة الكفاءات السياسية وإعادة اللحمة اليمنية، وكثيراً من الدعوات التي تتحدث عن الضرورة الملحة لتوحيد الصف الجمهوري، وحديث رئيس الجمهورية بأن كل بندقية تقاتل الحوثي هي بندقيتنا، وكثير من الرسائل الإيجابية لإعادة ترتيب المشهد نرى نتائجها في ما شهدناه في شبوة ومأرب، وسنشهده غداً في مدن أخرى".


*طلقات لبندقية واحدة *

استوقفت الوزير حول مقولة الرئيس هادي بأن كل بندقية تقاتل الحوثي هي بندقيتنا، وسألته عن إمكان وجود إجراءات معينة من الممكن البناء عليها نحو توحيد التشكيلات العسكرية كافة، سواء التي في الساحل الغربي وقوات العمالقة والنخبة وغيرها، وفقاً لاتفاق الرياض، فيؤكد "هذا الأمر هدفاً استراتيجياً للشرعية، وكل النقاشات التي قبل توقيع الاتفاق كان هدفها الرئيس توحيد التشكيلات العسكرية ضمن قوام المؤسسة العسكرية والأمنية، وجرى البدء بالشق السياسي التمهيدي الذي يحضر للشق العسكري، ولكن مع الأسف في جانب توحيد التشكيلات العسكرية بمعناه الحرفي لم يتم، ولكن صار هناك توحيد للهدف"

.
التهتك الحالي والتشوه السابق
وفي ظل ما يتردد عن عراقيل معينة تعترض جهود السعودية لطي صفحة الخلاف في بيت الشرعية بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، يعتبر "أن ما نشهده اليوم من اختلاف هو نتاج لتشوهات سابقة في الممارسات السياسية، نتج منها تهتك في النسيج الاجتماعي وعوامل عدم ثقة بين أطراف كثيرة بمشاريع سياسية متصارعة، وفراغات استغلت من بعضهم، وهناك جملة من الأسباب قادت إلى هذا الحال


وتحدث بما جرى في "2015 عندما جاء الحوثي وأسقط الدولة بمؤسساتها كافة، وكانت هناك محافظات كاملة لا توجد بها أجهزة أمنية، وكانت تُحكم من الأمن المركزي (أكبر جهاز أمني يديره أقرباء الرئيس اليمني الراحل علي صالح)، ثم اكتشف أهالي هذه المحافظات أن هذه الوحدات الأمنية والعسكرية التي من المفترض أن تحميهم، تحولت بسرعة إلى أداة في يد الحوثي واحتلت مدنهم، ولهذا حصل فراغ أمني كبير، وملئ في لحظة غياب الدولة بداية من المقاومة الشعبية التي تشكلت ثم تحولت إلى مشاريع سياسية، وعندما عادت الدولة جاءت على هذا الوضع غير السوي"

في نظر الحكومة يعتقد أن هذا الوضع غير السوي "بحاجة إلى وقت وتعزيز مفهوم حضور الدولة


*الحلحلة والخندق* 

كان لافتاً تطرق الوزير إلى جهود "توحيد الصف العسكري والسياسي في مواجهة المشروع الحوثي الإيراني"، وفي شأن سير تنفيذ اتفاق الرياض مع ما يتردد أن الشرعية هي الطرف الأحادي المنفذ له، يجيب أن "الحكومة هي الأكثر التزاماً بالتنفيذ المتتابع لتراتبية الاتفاق والاستجابة للحرص الكبير من أشقائنا في التحالف العربي، تحديداً في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وقدمنا كثيراً من الخطوات، مثل تشكيل الحكومة قبل تنفيذ بعض الترتيبات الأمنية، وعلى الرغم من أحداث عدن واقتحام قصر معاشيق (قصر الرئاسة ومقر وجود الحكومة في عدن)، عادت الحكومة إلى عدن، والرئيس وجه الحكومة بالعودة والعمل ولملمة الأمور بغض النظر عن تنفيذ هذه القضايا، لكن دعني أقول إن المشهد إجمالاً يشهد بوادر إيجابية وحلحلة، ويشهد التزاماً سمعناه من كل شركائنا انطلاقاً من الإدراك السليم الذي وجدناه للأخطار المشتركة".
ويكشف الرجل الذي يوصف بأنه أحد أكثر الرجالات قرباً من الرئيس هادي عن تقارب كبير مع المجلس الانتقالي، "نحن اليوم والانتقالي في خندق واحد، وهم جزء من الشرعية، ولدينا أيضاً أهداف مشتركة جوهرية وتنمية اقتصادية تم التوافق عليها في إطار حكومة الكفاءات، وأهداف متعلقة باستكمال استعادة الدولة، وهذا هدف لكل الأطراف".
وعن دوافع تفاؤله يقول، "أعتقد جازماً أن النيات طيبة، ولكن النيات وحدها لا تكفي". 


ويتابع، "النيات بحاجة إلى ترتيبات وإلى إعادة عناصر بناء الثقة، وترتيبات تنسيقية ومسألة توحيد كل الوحدات الأمنية والعسكرية تحت راية الدولة، وهذا هدف استراتيجي ضامن لأي انحراف مستقبلي"


*استعادة الدولة أولاً*

لم يعد خافياً تباينات الشرعية التي تمتد أحياناً إلى داعميها في التحالف العربي، ولكن "الأشقاء في السعودية والإمارات تحدثوا إلينا بكل وضوح عن أهمية توحيد الصف ونبذ الخلافات، وشاهدنا المؤتمر الصحافي المشترك الأخير لمتحدث التحالف العربي العميد تركي المالكي مع محافظ شبوة عوض بن الوزير، الذي أكد أهمية أن يتحد اليمنيون بكل فصائلهم للتسريع بالقضاء على المشروع الحوثي، وهو الخطاب ذاته الذي نسمعه في الغرف المغلقة، ونحن وهم نؤكد على أن الحوثي ضعيف، ولكنه استقوى بتفرق الأطراف اليمنية، ولهذا فليس لدى أي طرف، وتحديداً نحن في الحكومة الشرعية، أي نية لإلغاء أو إقصاء أي طرف آخر، ونؤكد دائماً على أن اليمن يتسع للجميع، وأنه لا يمكن أن ننهض ببلادنا ونستعيد دولتنا وتعالج المعضلات التي حدثت كافة إلا بتكاتف كل القوى". 
ومع أن هذا الحديث الإيجابي لا يلغي نتوءات الواقع، فـ "بالتأكيد لا ننكر أن هناك مشاريع سياسية مختلفة، ولكننا نقول بأن علينا أولاً أن ننهي الحرب ونستعيد مؤسسات الدولة وننشئ دولة ضامنة تسمح لكل الرؤى السياسية أن تتحاور على قدر واحدة من المساواة، وما سيقرره اليمنيون وما يُتفق عليه هو ما سيتم".


*أبوظبي… دعم لا محدود *
ويشيد وزير الخارجية اليمني *بعلاقة حكومته بدولة الإمارات عقب ما أُشيع عن تباينات بسبب مواقف كيانات سياسية تختلف مع الشرعية حسبت نتيجة ظروف معينة على أبوظبي، ولكن "الحق أن الموقف الرسمي لدى الأشقاء في الإمارات ممتاز، ودائماً يؤكدون على دعم واحترام سيادة اليمن ووحدته واستقراره وشراكة حقيقية مع الحكومة الشرعية، وهذا الكلام لطالما سمعته شخصياً خلال زياراتي للإمارات من قيادات الصف الأول للدولة وجميع نقاشاتنا إيجابية جداً


ويستطرد، "لم أكن في قوام الوفد الحكومي الرسمي الذي زار الإمارات أخيراً برئاسة رئيس الوزراء، ولكنني سمعت من زملائي الوزراء الحاضرين كلاماً إيجابياً حول نتائج الزيارة التي سنرى ثمارها في قادم الأيام، وعليه سنبني على هذه الحال ونتقدم فيها، ولا يخفى أن السنوات الماضية محملة بالتراكمات التي خلقت قراءات مختلفة وحالاً من عدم الثقة، ولم نصل إلى مرحلة رفع السلاح (في إشارة لجولتي الصراع الدامي التي جرت بين القوات التابعة للحكومة والقوات الموالية للمجلس الانتقالي خلال عامي 2018 و 2019) إلا نتيجة سوء فهم كبير يجب أن نعالجه".


*ثقل سنين الصراع*

إضافة إلى سوء الفهم وأزمات الثقة، هناك تراكمات رحلت من فترات الصراع السياسي أنتجت حالاً من الاحتقان التاريخي في المحافظات الجنوبية "نتيجة ممارسات سياسية كثيرة يجب أن لا تحمل فيها الحكومة ولا الشعب اليمني ولا مشروعه الجامع المسؤولية، فهناك ممارسات حدثت سابقاً وحالياً من قبل كل الأطراف، وهو ما يستدعي وجوب أن نستوعب هذه المرحلة التاريخية وخطورتها على الجميع، ونعالجها انتصاراً للثوابت التي ضحى من أجلها شعبنا". 
تغير دولي ملحوظ


في تقويمه لردود الفعل الدولية إزاء ما تحققه الشرعية اليمنية أخيراً من تقدم عسكري في أكثر من جبهة وميدان، خصوصاً مع ما يردده مسؤولون حكوميون أن المجتمع الدولي لا ينادي بوقف القتال إلا عند تحقيق الشرعية تقدماً ميدانياً على حساب الميليشيات، يرى بأن هذه "المواقف تغيرت أخيراً مقارنة مع مواقفها السابقة بشكل كبير لمصلحة قضية الشعب اليمني