أراء ومقالات

الأحد - 20 يوليو 2025 - الساعة 06:16 م بتوقيت اليمن ،،،

صحيفة 17يوليو/ كتب/محمد المسبحي

لا تلوموني إن كتبت لهذه المدينة فإن لعدن وجعا يفيض عن قواميس اللغة فكل عدني يحمل في روحه حصة من النكبات والأزمات تسكنه حتى آخر رمق من حياته لا يغادر أزمة حتى يجد أمامه أخرى وكأن الأقدار قد أبرمت عهدا بأن لا تمنح هذه المدينة لحظة حياة ..!!
نحن يا سادة في زمن تتسيد فيه قيادات منزوعي الضمير أدمنوا فن صناعة الأزمات وتسميم حياة الناس يتعاملون مع مقدرات المدينة كأنها غنيمة... لا يخافون حساب ولا يخجلون من عقاب..قادونا إلى قاع الأوطان وجعلوا عدن تتوسل أبسط حقوق الحياة بينما لا أحد يجرؤ أن يقول لهم.. كفى..
فلا أظن شعبا تجرع الألم كما فعل العدني... هذا الألم ليس لحظة وانما تاريخ طويل من القهر والاستبداد والتجريف لذلك ترى العدني يحمل أوجاعه كأنّه جرح يمشي على قدمين قد هدها الإعياء و المعاناة فيها عقيدة حياة...
هذه المدينة تعرضت لعملية قهر تاريخي تم تفريغها من ملامحها الحضارية.وسرقت هويتها حتى غدت مدينة لا تذكر إلا في تقارير الكوارث والموت...صحيح أن الأزمة سياسية لكن جوهر المأساة يكمن في الإدارة والعقول المتعفنة التي تتولى زمام السلطة وفي منظومة لا تحسن غير إنتاج الجهل وانتهاج الفشل تماما كما تغرق شوارعها في برك الماء تغرق مؤسساتها في مستنقعات السياسة حيث الولاء يقدم على الكفاءة والانتماء الحزبي والمناصب توزع كالولائم بين رموز الفشل.. نعم الفساد هو الفاعل لكن الجريمة الكبرى ترتكبها منظومة سياسية رعته وربته وشرعنته وهي من هندست أزمات الكهرباء والماء والصحة والتعليم والزراعة.وفتتت الوطن إلى جزر من الجوع واليأس والانطفاء.
فيا لسخرية القدر... حتى الأمطار التي كانت تبشر بالحياة باتت لعنة تصب على رؤوسنا لأن مدينتنا المنكوبة لا تمتلك بنية تحتية تستقبل الموت لا الغيث شوارعنا تتحول إلى أنهار طين وبيوتنا تنهار على أصحابها بينما العالم يحول الأمطار إلى فرصة للنمو والبناء..
أكتب من مرارة لا ضد بناء الجسور فذلك مظهر حضاري لكن أي حضارة تبنى فوق مجاري مسدودة..وأي جسور تقام فوق فسادٍ متجذر المشكلة ليست في الخرسانة وانما في من يمسك القرار وفي مشاريع تخطط بجهل وتنفذ بلا جودة وتمنح كمكافآت ولاء سياسي لا وفق احتياج كرامة الإنسان...
مؤلم أن ترى عدن تغرق في فوضى لا ترحم في بؤس ينهش البشر في صمت يشرعن العفوية في خيبة تطفئ آخر شمعة..ومؤلم أكثر أن ترى المواطن العدني ما يزال يحلم بحياةٍ طبيعية في الوقت الذي يذبح فيه جيل كامل ببطئ على أرصفة الشوارع بين غاز مهرب ودخان مسرطن ونفايات تتراكم كما تتراكم الهموم...ومؤلم حد الوجع أن يعيش الإنسان في مدينة كان يقال عنها يوما وطن الثقافة والفنون فأصبحت مسرحا لعبث المليشيات وذل المعيشة...!!!
فسلام على عدن… المدينة التي أنهكها الصبر ويحمل أبناؤها توابيتهم على ظهورهم ويمشون خلف جنازتها كل صباح.