اخبار محلية

الخميس - 06 نوفمبر 2025 - الساعة 04:40 م بتوقيت اليمن ،،،

صحيفة 17يوليو/ تقرير

يُعَدُّ التفتيش القضائي أحد الأعمدة الرئيسة في بنية السلطة القضائية، وأداة فاعلة لترسيخ قيم النزاهة والانضباط والرقابة على الأداء المهني داخل المحاكم والنيابات، بما يعزّز الثقة في القضاء، ويضمن تحقيق العدالة وفق أرقى المعايير المؤسسية.

فمن خلال مهامه في المتابعة والتقييم والمساءلة، يشكّل التفتيش القضائي صمام أمانٍ لمسار العدالة، ويعمل على تطوير الأداء والارتقاء بكفاءة القضاة، وأعضاء النيابة العامة، في إطار من الشفافية والمسؤولية والمساءلة المهنية.

ورغم أنَّ الرقابة القضائية ليست مفهومًا جديدًا، إلَّا أنَّ تطورها خلال السنوات الأخيرة أعطاها بُعدًا إصلاحيًا واضحًا، تجاوز الدور التقليدي في رصد الأخطاء إلى بناء ثقافة مؤسسية، تقوم على تحسين الجودة والالتزام المهني بوصفه قيمة دائمة.

- من الرقابة إلى الإصلاح المؤسسي

ـ نقلة نوعية في مفهوم التفتيش

يؤكّد رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي ناظم باوزير أنَّ التفتيش القضائي لم يُعَد مجرد جهاز رقابي يتتبّع الأخطاء أو المخالفات الإجرائية، بل هو اليوم أداة تطوير مؤسسي، تهدف إلى تحسين الأداء، وتجويد العمل القضائي.

ويقول القاضي باوزير: "التفتيش القضائي اليوم بمثابة المرآة التي تعكس واقع القضاء، فهو لا يقتصر على ضبط التجاوزات، بل يقدم ملاحظات بناءة، تسهم في تصحيح المسار، وتحسين جودة الأداء داخل المحاكم والنيابات".

ويضيف: "نحن نعمل على تحويل التفتيش من مفهوم العقوبة إلى مفهوم البناء؛ التفتيش هو أداة إصلاح، وليس غاية في ذاته".

ـ من المساءلة إلى التوجيه المهني

القاضي باوزير يوضح أنَّ أحد أهم الأدوار التي يقوم بها التفتيش القضائي يتمثل في الإرشاد والتوجيه المهني أكثر من الطابع العقابي، مشيرًا إلى أنَّ التفتيش الفعّال يحقق توازنًا دقيقًا بين المساءلة والدعم المهني.

ويتابع قائلًا: "القاضي بحاجة إلى التفتيش بقدر ما يحتاج المفتش إلى الموضوعية؛ العلاقة تكاملية هدفها خدمة العدالة، وليس الإضرار بالأفراد".

كما شدّد على أنَّ دور المفتش لا ينبغي أن يُنظَر إليه بوصفه خصمًا أو سلطة فوقية، بل بوصفه زميلًا مهنيًّا، يقدّم تغذية راجعة تساعد على تصحيح المسار، وضمان تطبيق صحيح للقانون.

- ضمانة للانضباط المهني وحسن الأداء

ـ المتابعة والتقييم الدوري

يؤكّد عضو هيئة التفتيش القضائي بقطاع المحاكم القاضي الدكتور محمد عبدالجبار أنَّ التفتيش القضائي يشكّل ضمانة لاستمرارية الانضباط داخل المؤسسات العدلية، إذ يقوم على متابعة التزام القضاة ووكلاء النيابة بالقوانين والأنظمة والتعليمات الإدارية.

ويقول: "الانضباط المهني لا يتحقّق إلَّا عبر الرقابة المستمرة والتقييم الموضوعي للأداء. العدالة تبدأ من داخل المؤسسة نفسها، والانضباط هو الأساس الذي تقوم عليه هيبة القضاء وثقة المجتمع".

ـ قرارات مبنية على مؤشرات دقيقة

ويضيف القاضي عبدالجبار أنَّ تقارير التفتيش القضائي تتيح لمجلس القضاء الأعلى رؤية مؤسسية دقيقة للأداء العام، مما يسهل اتخاذ قرارات الترقية أو المحاسبة أو إعادة التأهيل المهني وفق مؤشرات موضوعية لا تخضع للاعتبارات الشخصية.

وأضاف في ختام تعليقه بالقول: "الرقابة العادلة تحفظ للقضاء توازنه، وللقاضي مكانته، وللمواطن ثقته في العدالة".

- رفع كفاءة القضاة وتطوير الأداء المؤسسي

ـ التفتيش بوصفه أداة تطوير مهني

عضو هيئة التفتيش القضائي لقطاع النيابات، القاضي أحمد مهدي، أوضح أنَّ التفتيش أصبح أداة مهمة لتطوير الكادر القضائي، إذ تتضمن تقاريره توصيات عملية تساعد في تحسين الأداء، وتجويد الممارسة القضائية.

وقال عضو الهيئة: "لقد تحوّل التفتيش القضائي إلى مدرسة تدريبية غير مباشرة، فهو يوفّر تغذية راجعة دقيقة تساعد القضاة وأعضاء النيابة على تصحيح الأخطاء المهنية، وتطوير مهاراتهم القانونية والإجرائية".

ـ ثقافة التصحيح بدل العقاب

ويرى القاضي أحد مهدي أنَّ هذه الملاحظات يجب أن تُفهم في إطارها المهني لا الشخصي، بوصفها فرصة للتقويم والتطوير وليست انتقاصًا من الكفاءة.. مضيفًا: "الثقافة الجديدة التي نسعى لترسيخها هي أنَّ التفتيش وسيلة تصحيح لا عقوبة، وأداة دعم لا تهديد".

- الحدّ من التجاوزات وتعزيز الثقة المجتمعية

ـ رقابة تحمي العدالة من الداخل

تقول القاضي نجلاء عليوة، عضو هيئة التفتيش القضائي بقطاع المحاكم: "أبرز ثمار التفتيش القضائي تتمثل في الحدّ من التجاوزات والمخالفات السلوكية أو الإجرائية، وهو ما ينعكس إيجابًا على سمعة القضاء، ومكانته في وجدان المجتمع".

وتضيف: "حين يدرك القاضي أو وكيل النيابة أنَّ هناك رقابة فاعلة وتقييمًا دوريًّا، فإنَّه يحرص على مضاعفة الجهد والالتزام بالقانون، وهذا ما يعزّز ثقة المواطن في أنَّ العدالة تُدار بنزاهة وشفافية".

ـ رقابة تبني الثقة لا الخوف

وأكّدت القاضي عليوة أنَّ وجود جهاز تفتيش قوي ومستقل يُعَدُّ ضمانة لعدم الإفلات من المساءلة، ويحول دون أي ممارسات قد تسيء إلى هيبة القضاء، مؤكّدةً "الثقة المجتمعية لا تُبنى بالشعارات، بل بالرقابة التي تحمي العدالة من الداخل، وتؤكّد أنّ الجميع تحت طائلة القانون".

- بين التحدّيات والآمال

ـ تحدّيات هيكلية وتنظيمية

رغم أهمية الدور الذي يقوم به التفتيش القضائي إلَّا أنَّه يواجه تحدّيات حقيقية، منها محدودية الكوادر، وكثرة الملفات، والحاجة إلى تحديث آليات العمل، وتفعيل نظم الرقابة الإلكترونية.

ويقول نائب رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي نبيل هائل: "نحن بحاجة إلى تطوير أدوات التفتيش. التفتيش الإلكتروني وقواعد البيانات المركزية يمكن أن تسهّل عملية المتابعة والتقييم، وتقلّل من الجهد اليدوي والروتين الإداري".

ـ التقنية رافعة للشفافية

ويضيف القاضي نبيل هائل أنَّ دعم التفتيش القضائي بوسائل تقنية متقدمة سيجعل عمله أكثر سرعة وموضوعية، ويساعد على اتخاذ قرارات مبنية على مؤشرات أداء دقيقة وواضحة.

وأكّد بالقول: "المستقبل للقضاء الذكي والرقابة الرقمية، وهذا ما يجب أن نسير نحوه بخطوات واثقة ومدروسة".

- رؤية مستقبلية نحو تفتيش مهني حديث

ـ تأهيل المفتشين وتوسيع الصلاحيات

تواصل هيئة التفتيش القضائي تنفيذ خطط تطوير شاملة تشمل تحديث البنية المؤسسية وتأهيل المفتشين ببرامج تدريب متخصّصة في التقييم المهني.

ويقول القاضي ناظم باوزير: "التطوير لا بُدَّ أن يشمل جانبين: تأهيل المفتشين أنفسهم، وتزويدهم بمهارات حديثة، وإرساء ثقافة تقبّل التفتيش بين القضاة بوصفه وسيلة دعم وتحفيز، وليست أداة رقابة سلبية".

ـ ثقافة مؤسسية تعزّز النزاهة

ويضيف القاضي باوزير: "حين يدرك القاضي أنَّ التفتيش ليس خصمًا له بل شريكًا في الارتقاء بالمهنة، عندها فقط نكون قد وصلنا إلى التفتيش المهني الحقيقي".

-خاتمة: نحو قضاء منضبط وفاعل

في المحصلة، يُمثل التفتيش القضائي حجر الزاوية في بناء جهاز قضائي منضبط وفعّال، تتوازن فيه السلطة بالمسؤولية، والرقابة بالثقة، والمحاسبة بالتطوير.. فهو ليس مجرد أداة إدارية، بل منظومة إصلاحية شاملة تضمن جودة الأداء وعدالة القرارات، وتكرّس مبدأ "لا أحد فوق القانون" داخل المؤسسة العدلية نفسها.

وبقدر ما تتعزّز استقلالية التفتيش القضائي وكفاءته، تتعمّق ثقة المواطن في القضاء، وتترسخ هيبة العدالة بوصفها مؤسسةً فوق الجميع.

إنَّه بوصلة العدالة التي توجه الأداء، وتمنع الانحراف، وتعيد التوازن بين الواجب والمسؤولية في طريق بناء قضاء نزيه، وقوي، ومؤسسي.